سورة إبراهيم - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


{قَالَتْ رُسُلُهُمْ} استئنافٌ مبنىٌّ على سؤال ينساق إليه المقال كأنه قيل: فماذا قالت لهم رسلُهم؟ فأجيب بأنهم قالوا منكرِين عليهم ومتعجّبين من مقالتهم الحمقاءِ: {أَفِى الله شَكٌّ} بإدخال الهمزةِ على الظرف للإيذان بأن مدارَ الإنكار ليس نفسَ الشك بل وقوعُه فيما لا يكادُ يتوهّم فيه الشكّ أصلاً، منقادين عن تطبيق الجوابِ على كلام الكفرةِ بأن يقولوا: أأنتم في شك مريب من الله تعالى؟ مبالغةً في تنزيه ساحةِ السّبحان عن شائبة الشك وتسجيلاً عليهم بسخافة العقول، أي أفي شأنه سبحانه من وجوده ووحدتِه ووجوبِ الإيمان به وحده شك وهو أظهرُ من كل ظاهر وأجلى من كل جلي حتى تكونوا من قِبله في شك مريب، وحيث كان مقصِدُهم الأقصى الدعوةَ إلى الإيمان والتوحيد وكان إظهارُ البينات وسيلةً إلى ذلك لم يتعرضوا للجواب عن قول الكفرةِ: إنا كفرنا بما أرسلتم به، واقتصروا علي بيان ما هو الغايةُ القصوى ثم عقّبوا ذلك الإنكارَ بما يوجبه من الشواهد الدالّةِ على انتفاء المنكَر فقالوا: {فَاطِرَ السموات والأرض} أي مُبدعُهما وما فيها من المصنوعات على نظام أنيقٍ شاهد بتحقق ما أنتم منه في شك، وهو صفةٌ للاسم الجليل أو بدلٌ منه وشكٌّ مرتفعٌ بالظرف لاعتماده على الاستفهام، وجعلُه مبتدأً على أن الظرف خبرُه يُفضي إلى الفصل بين الموصوف والصفةِ بالأجنبي، أعني المبتدأَ والفاعلَ ليس بأجنبي مِنْ رافعه وقد جوز ذلك أيضاً {يَدْعُوكُمْ} إلى الإيمان بإرساله إيانا لا أنا ندعوكم إليه من تلقاء أنفسِنا كما يوهمه قولُكم مما تدعوننا إليه {لِيَغْفِرَ لَكُمْ} بسببه أو يدعوكم لأجل المغفرة، كقولك: دعوتُه ليأكلَ معي {مّن ذُنُوبِكُمْ} أي بعضَها وهو ما عدا المظالمَ مما بينهم وبينه تعالى فإن الإسلام يجُبّه، قيل: هكذا وقع في جميع القرآنِ في وعد الكفرةِ دون وعد المؤمنين تفرقةً بين الوعدين، ولعل ذلك لما أن المغفرة حيث جاءت في خطاب الكفرةِ مرتبةً على محض الإيمان وفي شأن المؤمنين مشفوعةً بالطاعة والتجنب عن المعاصي ونحو ذلك فيتناول الخروجَ من المظالم، وقيل: المعنى ليغفرَ لكم بدلاً من ذنوبكم {وَيُؤَخّرْكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إلى وقت سماه الله تعالى وجعله منتهى أعمارِكم على تقدير الإيمان.
{قَالُواْ} استئناف كما سبق {إِنْ أَنتُمْ} أي ما أنتم {إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا} من غير فضل يؤهّلكم لما تدّعونه من النبوة {تُرِيدُونَ} صفةٌ ثانية لبشرٌ حملاً على المعنى كقوله تعالى: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} أو كلامٌ مستأنفٌ أي تريدون بما تتصدَّوْن له من الدعوة والأرشاد {أَن تَصُدُّونَا} بتخصيص العبادةِ بالله سبحانه {عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا} أي عن عبادة ما استمر آباؤُنا على عبادته من غير شيءٍ يوجبه وإلا {فَأْتُونَا} أي وإن لم يكن الأمرُ كما قلنا بل كنتم رسلاً من جهة الله تعالى كما تدّعونه فأتونا {بسلطان مُّبِينٍ} يدل على فضلكم واستحقاقِكم لتلك الرتبة، أو على صحة ما تدّعونه من النبوة حتى نترُك ما لم نزل نعبُده أباً عن جد. ولقد كانوا آتَوهم من الآيات الظاهرةِ والبينات الباهرة ما تخرّ له صُمّ الجبال، ولكنهم إنما يقولون من العظائم مكابرةً وعِناداً وإراءةً لمن وراءهم أن ذلك ليس من جنس ما ينطلق عليه السلطانُ المبين.


{قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ} مجاراةً معهم في أول مقالتِهم وإنما قيل لهم لاختصاص الكلامِ بهم حيث أريد إلزامُهم بخلاف ما سلف من إنكار وقوعِ الشكِّ في الله سبحانه فإن ذلك عامٌ وإن اختص بهم ما يعقُبه {إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} كما تقولون {ولكن الله يَمُنُّ} بالنبوة {على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} يعنون أن ذلك عطيةٌ من الله تعالى يعطيها من يشاء من عباده بمحض الفضلِ والامتنان من غير داعيةٍ توجبه، قالوه تواضعاً وهضماً للنفس أو ما نحن من الملائكة بل نحن بشرٌ مثلُكم في الصورة أو في الدخول تحت الجنس، ولكن الله يمن بالفضائل والكمالاتِ والاستعدادات على من يشاء المنَّ بها وما يشاء ذلك إلا لعلمه باستحقاقه لها، وتلك الفضائلُ والكمالاتُ والاستعدادات هي التي يدور عليها فلكُ الاصطفاء للنبوة {وَمَا كَانَ} وما صح وما استقام {لَنَا أَن نَّأْتِيَكُمْ بسلطان} أي بحجة من الحجج فضلاً عن السلطان المبين بشيء من الأشياء وسببٍ من الأسباب {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} فإنه أمرٌ يتعلق بمشيئته تعالى إن شاء كان وإلا فلا {وَعَلَى الله} وحده دون ما عداه مطلقاً {فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} أمرٌ منهم للمؤمنين بالتوكل ومقصودُهم حملُ أنفسِهم عليه آثرَ ذي أثيرٍ، ألا يُرى إلى قوله عز وجل: {وَمَا لَنَا} أيُّ عذرٍ لنا {أَن لا نَتَوَكَّلَ عَلَى الله} أي في أن لا نتوكل عليه، ولإظهار النشاطِ بالتوكل عليه والاستلذاذِ بذكر اسمِه تعالى وتعليلِ التوكل {وَقَدْ هَدَانَا} أي والحالُ أنه قد فعل بنا ما يوجبه ويستدعيه حيث هدانا {سُبُلَنَا} أي أرشد كلاًّ منا سبيله ومنهاجَه الذي شرَع له وأوجب عليه سلوكهَ في الدين، وحيث كانت أذيةُ الكفار مما يوجب القلقَ والاضطرابَ القادح في التوكل، قالوا على سبيل التوكيد القسميِّ مظهرين لكمال العزيمة: {وَلَنَصْبِرَنَّ على مَا اذَيْتُمُونَا} بالعِناد واقتراحِ الآيات وغير ذلك مما لا خير فيه {وَعَلَى الله} خاصة {فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون} فليثبُت المتوكلون على ما أحدثوه من التوكل، والمرادُ هو المرادُ مما سبق من إيجاب التوكلِ على أنفسهم، والمرادُ بالمتوكّلين المؤمنون، والتعبيرُ عنهم بذلك لسبق ذكرِ اتصافِهم به ويجوز أن يُرادَ وعليه فليتوكل مَنْ توكل دون غيره.


{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} لعل هؤلاء القائلين بعضُ المتمردين العاتين الغالين في الكفر من أولئك الأممِ الكافرة التي نُقِلت مقالاتُهم الشنيعة دون جميعهم كقوم شعيبٍ وأضرابِهم ولذلك لم يُقل وقالوا {لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا} لم يقنَعوا بعصيانهم الرسلَ ومعاندتهم الحقَّ بعد ما رأوا البيناتِ الفائتةَ للحصر حتى اجترأوا على مثل هاتيك العظيمةِ التي لا يكاد يحيط بها دائرةُ الإمكانِ فحلفوا على أن يكون أحدُ المُحالَيْن، والعَودُ إما بمعنى مطلق الصيرورة أو باعتبار تغليبِ المؤمنين على الرسل، وقد مر في الأعراف وسيأتي في الكهف {فأوحى إِلَيْهِمْ} أي إلى الرسل {رَّبُّهُمْ} مالكِ أمرهم عند تناهي كفرِ الكفرة وبلوغِهم من العتو إلى غاية لا مطمَعَ بعدها في إيمانهم {لَنُهْلِكَنَّ الظالمين} على إضمار القولِ أو على إجراء الإيحاءِ مُجراه لكونه ضرباً منه.
{وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرض} أي أرضَهم وديارَهم عقوبةً لهم بقولهم: لنُخرجَنّكم من أرضنا كقوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مشارق الارض ومغاربها} {مّن بَعْدِهِمْ} أي من بعد إهلاكِهم، وقرئ: {ليُهلكَن} {وليُسكِنَنّكم} بالياء اعتباراً لأوحى، كقولهم: حلف زيد ليخرُجَنّ غداً {ذلك} إشارةٌ إلى الموحى به وهو إهلاكُ الظالمين وإسكانُ المؤمنين ديارَهم أي ذلك الأمرُ محققٌ ثابت {لِمَنْ خَافَ مَقَامِى} موقفي، وهو الموقفُ الذي يقف فيه العبادُ يوم يقومُ الناسُ لرب العالمين، أو قيامي عليه وحفظي لأعماله، وقيل: لفظُ المقام مُقحَمٌ {وَخَافَ وَعِيدِ} وعيدي بالعذاب أو عذابيَ الموعودَ للكفار، والمعنى أن ذلك حقٌّ للمتقين كقوله: {والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ}

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8